الاضطرابات في بريطانيا: هل تستطيع القوانين وحدها القضاء على الكراهية والعنف المتجذرين في إرث حزب المحافظين؟
في تطور مهم فيما يتعلق بأعمال الشغب في المملكة المتحدة المستمرة منذ 30 يوليو، أصدرت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري تحذيرًا بشأن “العنف بدوافع عنصرية” في البلاد. وينصب هذا القلق بشكل خاص على أعمال الشغب الأخيرة التي حرضت عليها جماعات اليمين المتطرف، وحثت السلطات على اتخاذ إجراءات، بما في ذلك تنفيذ “عقوبات صارمة”.
إن التحذير الأخير الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة يشكل تنبيهاً بالغ الأهمية، إذ يشير إلى أن الاضطرابات في المملكة المتحدة ليست حوادث معزولة. بل إنها تشير بدلاً من ذلك إلى بداية استراتيجية منهجية من جانب الأحزاب اليمينية المتطرفة للهيمنة على المشهد السياسي. وإذا لم يتم التعامل مع هذه الأحداث بكل الوسائل المتاحة، فمن المرجح أن تتكرر بشكل متكرر في الأيام المقبلة.
إن الطريقة التي أشعلت بها الاضطرابات في بريطانيا ليست سوى تكرار لتكتيك شائع يستخدمه العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا لإثارة العداء تجاه الأجانب والمهاجرين. غالبًا ما تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة الجريمة أو الأحداث العنيفة للتأثير على الرأي العام وتأجيج العداء ضد مجموعات معينة. يفعلون ذلك من خلال التلاعب بوسائل الإعلام والشخصيات المؤثرة لزيادة الكراهية وإثارة الفوضى، مما يؤدي إلى صدامات عامة عنيفة ومدمرة.
وبحسب هذه النظرية، لم تكن أعمال الشغب رداً على الجريمة التي وقعت في 30 يوليو/تموز في ساوثبورت، الواقعة في شمال غرب إنجلترا، كما ورد في كثير من التقارير الإعلامية. بل إن هذه الجريمة لم تُستخدم إلا كغطاء لإثارة أعمال الشغب والعنف، وتقويض حكومة حزب العمال، والتسبب في المزيد من الأزمات التي دبرتها أحزاب اليمين المتطرف.
بدأت الأحداث في 28 يوليو/تموز، ردًا على الانتخابات البرلمانية البريطانية التي شهدت خسارة حزب المحافظين أمام حزب العمال. نظم الناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون احتجاجًا في لندن، حيث رفع شعارات معادية للإسلام وهتافات عنصرية. أعقب ذلك حادث طعن مأساوي في ساوثبورت بإنجلترا، استغلته الجماعة المتطرفة لتصعيد التوترات، ونشر مزاعم لا أساس لها من الصحة حول تورط مهاجر مسلم. واستُخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر هذه الأكاذيب، مما تسبب في تحديات أمام الحكومة البريطانية لنقل الحقيقة.
وبعد سلسلة من الأحداث، اندلعت احتجاجات كبيرة في لندن شملت مسيرات ومظاهرات مضادة. ودعمت إحدى المسيرات المهاجرين ونددت بكراهية الإسلام والعنصرية، بينما اجتذبت مسيرة أخرى متطرفين من اليمين المتطرف، مما أسفر عن اشتباكات واعتقالات وإصابات، فضلاً عن إلحاق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة.
ورغم أن الإسلاموفوبيا منتشرة على نطاق واسع في بريطانيا وأوروبا ككل، فإن الوضع الحالي في بريطانيا لا يمكن أن يُعزى إلى الإسلاموفوبيا وحدها. فما تشهده بريطانيا اليوم هو انقسام عميق داخل المجتمع البريطاني، يتسم بتصاعد العنصرية والعنف والعداء تجاه الأجانب والمهاجرين، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية أو خلفياتهم الثقافية والاجتماعية. وقد عزز حزب المحافظين هذا الإرث منذ ستينيات القرن العشرين، ثم انبثقت عنه أحزاب يمينية متطرفة، كل منها بأجنداتها العنصرية المحرضة على العنف.
كان أول خطاب كراهية قد ألقاه إينوك باول، وهو عضو بارز في حزب المحافظين البريطاني، في العشرين من إبريل/نيسان 1968. ويُشار إلى هذا الخطاب باسم “خطاب أنهار الدماء”، وقد ترك بصمة دائمة في الذاكرة البريطانية بسبب خطابه العنصري المحرض. وفي المناقشات المعاصرة، غالبًا ما يُنظر إلى حركة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي باعتبارها مظهرًا متأخرًا لرغبة باول في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
في خطابه، صرح باول أمام تجمع من الناشطين المحافظين أنه إذا استمرت الهجرة من المستعمرات السابقة، فإن الصراع العنيف بين المجتمعات البيضاء والسوداء سيكون حتميًا. وقال: “عندما أتطلع إلى المستقبل، أرى أنهارًا من الدماء”، في إشارة إلى القصيدة الملحمية الشهيرة “الإنيادة”. أصر باول على أن إغلاق حدود بريطانيا ببساطة لن يكون كافيًا. كان يعتقد أنه سيكون من الضروري أيضًا إعادة بعض المهاجرين الذين استقروا بالفعل في البلاد إلى “أوطانهم”. وإلا، حذر من أن “اليد العليا في السنوات الخمس عشرة أو العشرين القادمة ستكون للرجل الأسود”. كان هدف باول هو غرس شكل جديد من أشكال القومية في البلاد، والتي تركزت حول مخاوف مختلفة، بما في ذلك القلق بشأن الهجرة. وقد نجح بول في جهوده، حيث تظل هذه المخاوف قوية كما كانت دائمًا بين العديد من المواطنين البريطانيين.
وبعد ذلك، بدأ تاريخ طويل لحزب المحافظين. وخلال هذا الوقت، تم استغلال هذه القيم لجذب الدعم الانتخابي والتأثير على عامة الناس. وألقت الحكومات المحافظة المتعاقبة باللوم على المهاجرين والغرباء في القضايا الاقتصادية والاجتماعية. واستخدمت هذه الخطابات التحريضة لإخفاء أوجه القصور لديها في معالجة العديد من التحديات الاقتصادية. ونتيجة لذلك، ظهرت الرواية القائلة بأن “المسلمين والمهاجرين، بشكل عام، هم السبب الجذري لمشاكل أوروبا” وأنهم “أخذوا فرص العمل من المواطنين الأصليين”.
وقد ساهمت هذه المفاهيم الخاطئة والمتحيزة في تعزيز خطاب قومي متطرف يتردد صداه بين الطبقات الضعيفة بين القوميين البريطانيين، وخاصة في المدن النائية والمناطق الشمالية من بريطانيا. ويتم توظيف الخطاب الشعبوي لتحقيق ميزة سياسية على حساب النسيج الاجتماعي البريطاني والإطار القانوني الذي يحمي حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن دياناتهم أو أصولهم.
اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات قوية ضد التطرف اليميني، حيث أقرت حكومة حزب العمال الجديدة بالتحديات الخطيرة التي يفرضها التصدي للعنف المتجذر في ممارسات الإدارة المحافظة السابقة المتحيزة وغير العادلة. وأدان رئيس الوزراء ستارمر، في بيان نقلته وكالة رويترز، العنف باعتباره “تنمرًا من اليمين المتطرف”. وأكد أن الجناة سيواجهون العواقب التي يمليها القانون. كما تعهد بأن قوات إنفاذ القانون ستعيد الأمن والنظام.
إن الجهود الجديرة بالثناء التي تبذلها الحكومة، على الرغم من أهميتها، لا يمكنها وحدها معالجة قضية الانقسام العميقة الجذور داخل المجتمع البريطاني من خلال التشريع. وهذا يمثل تحديًا كبيرًا لحكومة ستارمر. ومن المرجح أن يستمر التحريض ضد المسلمين والمهاجرين والأقليات ما لم تعمل الحكومة بنشاط على تغيير الخطاب الثقافي وزيادة الوعي بين البريطانيين. وعلاوة على ذلك، لا ينبغي تجاهل التأثير الاقتصادي للعنف وجرائم الكراهية. إن حكومة كير ستارمر مكلفة في المقام الأول بمنع تكرار مثل هذه الظواهر وإعادة تشكيل النسيج الثقافي للمجتمع البريطاني لتخفيف المخاوف بشأن الغرباء.
د. مروة الشناوي – أكاديمية وكاتبة